ثَمَّةَ حَساءٌ سَيِّءٌ مِنَ الْمُعْتَقَداتِ يُقَدَّمُ للنَّاسِ عَلى طَبَقٍ طائِر، فَالْعالَمُ الْمُتَخَيَّلُ يَكادُ يَصيرُ واقِعاً، وَالْعالَمُ الْحَقيقيُّ بِحاجَةٍ إِلى طاقَةٍ حَليمَةٍ لاسْتِعادَةِ بَصَرِه. تِلْكَ الشَّجَرَةُ الَّتي أَغْرَتْ آدَمَ بِمُغامَرَةِ الْهُبوطِ عَلى الْأَرْضِ احْتَطَبَتْ، فَاكْتَوَتِ الْأَغْلَبِيَّةُ بِنارِها وَتَمَتَّعَتِ الْأَقَلِّيَّةُ بِدِفْئِها، احْتَطَبَتِ الشَّجَرَةُ وَتاهَ الْبَشَر.
ماذا يُريدُ الْبَشَرُ؟ كُلُّ هذِهِ الْأَرْضِ وُهِبَتْ لَهَمْ وَلَمْ يَكْفيهِمْ. ماذا يُريدونَ أَيْضَاً؟ قَسَّموا الْأَرْضَ بَيْنَهُمْ وَحَصَلوا عَلى كُلِّ ما يَتَمَنَّوْنَهُ وَمَعَ ذلِكَ لَمْ يَكْفيهِمْ!! ماذا أَيْضَاً؟ أَصْبَحوا لا يَكْتَفونَ بِما لَدَيْهِمْ فَيَأْخُذونَ ما لَدى غَيْرِهِمْ. أَصْبَحوا لا يَكْفيهِمْ شَيْءٌ وَلَوْ حَصَلوا عَلى مالِ الدُّنْيا كُلِّها. ماذا يُريدُ الْإِنْسان؟ لا أَعْلَمْ وَلا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَعْلَم، فَمَهْما أَعْطَيْتَهُ سَيَقول: أُريدُ الْمَزيد.
أَصْبَحْنا نَقْتُلُ بَعْضَنا وَنَذْبَحُ بَعْضَنا، نَزْرَعُ دَماً وَنَحْصُدُ دَماً. هَنيئاً لِلْإِنْسان، ظَنَّ وَإِنْ كانَتِ الْأَرْضُ لَه فَهُوَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَفْعَلَ ما يَشاء. هَيَّا أَيُّها الْإِنْسانُ سَمِّ الضَّحِيَّةَ وَلْتَكُنِ الْوَليمَةُ ساعَةَ تَشاء، مَكانَ ما تَشاء، مَنْ تُريد؟ وَهَلْ تُريدُهُ مَعَ أَطْفالِهِ أَمْ بِدونْ؟ بِكامِلِ أَناقَتِهِ أَمْ بِلِباسِ النَّوْم؟هَلْ نُحْضِرُ لَكَ شَيْئَاً بارِداً؟ بِالتَّأْكيد، فَيَجِبُ أَنْ تَبْقى مَشاعِرُكَ وَأَحاسيسُكَ بارِدَةً كَالثَّلْج. مَنْ تُريد؟ وَهَلْ تُريدُهُ في عَمَلِهِ أَمْ مَعَ كِتابٍ في شَقَّتِه؟ مَنْ تُريد؟ اخْتَرْ فَكُلُّ الْأَرْضِ لَك، كُلُّ النَّاسِ لَك، وَالْفَضاءُ لَك، لِمَ لا؟ اطْلُبْ مَنْ تُريد، وَخُذْ جَسَدَ مَنْ تُريدُ لِتَجْعَلَهُ عَلامَةً تُرْضي بِها نَفْسَك. أَيُّها الْإِنْسانُ، لَكَ ما تَشاء، وَلَنا طَريقٌ ضَيِّقٌ نَمْشيهِ وَنَسْكُنُه. فَاخْتَرْ..اخْتَرْ فَكُلُّ الْأَرْضِ لَك.
هذا هُوَ الْإِنْسان، ظالِمٌ مُتَجَبِّر. لا تَرى في هذِهِ الدُّنْيا شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْابْتِسامَةَ سِوى الْأَطْفال، أَيُّها الْأَطْفالُ، لَقَدْ نَسينا فَعَلِّمونا بَعْضَ ما عِنْدَكُمْ،عَلِّمونا كَيْفَ نَغْدو رِجالاً فَلَدَيْنا الرِّجالُ صاروا عَجيناً. أَيُّها الْأَطْفالُ،اتْرُكونا وَلا تَتَطَلَّعوا لَنا، نَحْنُ أَهْلُ الْحِسابِ وَالْجَمْعِ وَالطَّرْحِ فَلا تُبالوا بِنا، نَحْنُ مَنْ هَرَبْنا مِنْ خِدْمَةِ الْجَيْش، هاتوا حِبالَكُمْ وَاشْنُقونا. نَحْنُ الْبَشَرُ مَوْتى بِلا ضَمير، مَوْتى بِلا ضَريح، يَتامى بِلا عُيون، لا نَسْتَطيعُ أَنْ نَرى الدَّرْبَ الْمُنير، لا نَرى سِوى الظَّلام. طُلِبَ مِنَّا أَنْ نُواجِهَ التِّنّين، فَماذا فَعَلْنا؟ هَرَبْنا وَتَرَكْنا التِّنّينَ يُصْبِحُ سَيِّدَاً عَلَيْنا.أَيُّها الْأَطْفالُ، لَقَدْ صَغُرْنا أَمامَكُمْ أَلْفَ قَرْنٍ فَلا تُصْبِحوا مِثْلَنا، نَحْنُ آباؤُكُمْ فَلا تُشْبِهونا، نَحْنُ نَدَّعي بِأَنَّنا أَسْيادُ الْأَرْضِ وَلا نَبْني فيها سِوى الْمَقابِرَ وَالسُّجون. أَيُّها الْأَطْفالُ أَمْطِرونا ضَميراً وَشُموخاً وَاغْسِلونا مِنْ قُبْحِنا الَّذي فينا.
إِنَّ هذا الْعَصْرَ الْيَهودِيَّ وَهْمٌ سَوْفَ يَنْهارُ لَوْ مَلَكْنا الْيَقين، وَلكِنَّنا لا نَمْلِكُ إلّا الْخَوْفَ وَالْجُبْن، فَلا نُقاتِلُ إلّا بِالْكَلامِ الَّذي نُسَمّيهِ كَلامَ الْعَقْلِ وَالْمَنْطِق. إِنَّ عَصْرَ الْعَقْلِ السِّياسِيِّ ضاعَ مِنْ زَمَن. فَلِمَ لا نَتْرُكُ الْعَقْلَ وَنَتَعَلَّمُ الْجُنون؟ فَإِذا كانَ الْجُنونُ سَيَحْمينا مِنْ نيرانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ الْمُحْتَطِبَةِ فَلِمَ لا؟ أَمْ أَنَّنا يَجِبُ أَنْ نَعيشَ حَياتَنا وَنَحْنُ خاضِعينَ لِغُرورِ الْإنْسانِ وَكِبْرِيائِه؟ ماذا قَرَّرْتَ أَيُّها الْإِنْسان؟ اخْتَرْ فَكُلُّ الْأَرْضِ لَك.